الجمعة، 1 مارس 2019

كنيسة الله القدير|البرق الشرقي|تفسير القول السادس

       
كلمات الله بطاقة العنوان|  كنيسة الله القدير|البرق الشرقي |تفسير القول السادس
 يقول الله القدير:"لقد دُستُ الكون بقدماي، وسرحتُ ببصري فوق امتداده الشاسع كله، ومشيتُ وسط كل البشر وتذوقتُ نكهات الخبرات البشرية الحلو منها والحامض والمر واللاذع". هذه العبارة، وعلى الرغم من بساطتها، فهي أبعد ما تكون عن سهولة الفهم؛ فرغم أن الموضوع قد تغير، لكنه يظل في جوهره نفس الموضوع: مازال الموضوع تمكين البشرية من معرفة الله في جسد تجسده. لماذا يقول الله إنه تذوق نكهات الخبرات البشرية الحلو منها والحامض والمر واللاذع؟ لماذا يقول إنه مشى وسط كل البشر؟

 الله روح، لكنه أيضًا متجسد في صورة إنسان. يستطيع الروح، لكونه غير خاضع لقيود الإنسان، أن يدوس الكون كله وأن يشمل الكون بنظرة كاسحة. يمكن للمرء أن يرى من هذا أن روح الله يملأ الاتساع الكوني وأنه يغطي الأرض من القطب إلى القطب؛ فلا يوجد مكان لم يخططه الله بيده، ولا يوجد مكان لا يحمل آثار خطواته. رغم أن الروح -حال تجسده- وُلِدَ كإنسان، إلا أنه -ولسبب وجوده كروحٍ- لم يتوقف عن الحاجة إلى كل الأشياء التي يحتاجها الإنسان، لكنه -وكإنسانٍ عادي- يأكل طعام ويرتدي ملابس وينام ويسكن مساكن، ويفعل كل شيء يفعله الإنسان العادي. لكنه في ذات الوقت، ونظرًا لاختلاف جوهره الداخلي، ليس نفس الشيء كمثل ما يتحدث عنه المرء عادةً كإنسان. رغم أنه تحمل كل معاناة البشرية، إلا أنه لم يتخل عن الروح لذلك السبب، ورغم أنه حظى ببركة، إلا أنه لم ينس الروح لذلك السبب؛ فالروح والإنسان متحدان في صلة غير منطوق بها، ولا يمكن للاثنين أن ينفصلا، ولم ينفصلا مطلقًا. لأن الإنسان هو تجسد الروح، وهو آتٍ من الروح، وهيئته إنما هي من الروح، لذلك فإن الروح الساكن في الجسد ليس متعاليًا، بمعنى أنه لا يستطيع أن يفعل أشياء خارقة، أو بعبارة أخرى، لا يستطيع هذا الروح أن يترك الجسد المادي، لأنه لو فعل ذلك، لفقد عمل التجسد الذي قام به الله معناه كله. فقط عندما يكون الروح مُمثَّلاً في الجسد المادي تستطيع البشرية أن تعرف الإله العملي ذاته، وحينئذٍ فقط تتحقق مشيئة الله. لم يُشِر الله إلى عمى الإنسان وعدم طاعته إلا بعد أن قدَّم للبشرية الروح والجسد بصورة منفصلة: "لكنَّ الإنسان لم يتعرف علىَّ بحق، ولم يلتفت إليَّ وأنا أمشي خارجًا". من جهة، يقول الله إنه –دون أن يعرف العالم- أخفى ذاته في جسمٍ لحميٍّ ولم يقم بأي شيء فائق للطبيعة ليراه الإنسان، ومن جهة أخرى، يشتكي البشرية لأنها لم تعرفه. لكنَّ ذلك لا ينطوي على أي تناقض. ففي الواقع، إذا استعرضنا ذلك بالتفصيل، ليس من الصعب أن نرى أنه ثمة جانبين لطريقة تحقيق الله لأهدافه. فإذا أجرى الله آيات وعجائب خارقة للطبيعة، لكان ببساطة أنزل بإنسان لعنة الموت بكلمةٍ من فمه، ليموت الإنسان في الحال، دون أن يضطر إلى اجتراح أي أعمال عظيمة، وبهذه الطريقة يقتنع كل بشرٍ. لكنَّ ذلك لن يحقق قصد الله من التجسد. لو كان الله قد فعل هذا، لما تمكنت البشرية مطلقًا بعقلها الواعي من الإيمان بوجوده، وما تمكنت مطلقًا من الإيمان إيمانًا حقيقيًا، بل وكانت لتظن في الشيطان خطأ أنه الله. لكن الأهم من ذلك أن البشرية لم تكن لتعرف فكر الله مطلقًا. أليس هذا أحد الجوانب لمعنى تجسد الله؟ إن لم تتمكن البشرية من معرفة الله، لظل دائمًا إلهًا مبهمًا، إلهًا خارق للطبيعة ومهيمنًا على عالم البشر. ألم نكن حينئذٍ بصدد حالة تسيطر فيها تصورات الإنسان على الإنسان؟ أو لنعد صياغة ذلك بصورة أكثر بساطة، ألم يكن الشيطان، إبليس، هو المهيمن؟ "لماذا أقول إنني أسترد قوتي؟ لماذا أقول إن للتجسد معانٍ كثيرة؟ إن اللحظة التي تجسد فيها الله كانت هي اللحظة التي استرد فيها قوته، وهي أيضًا اللحظة التي ظهر فيها لاهوته مباشرة ليقوم بعمله. خطوة بخطوة، توصل كل بشرٍ إلى معرفة الإله العملي، وبسبب ذلك، قُضي تمامًا على المكانة التي يشغلها الشيطان في قلب الإنسان، بينما تعززت مكانة الله. كان الله الموجود من قبل في عقل الناس يُنظَر إليه على أنه صورة شيطانية، فقد كان إلهًا غير ملموس وغير مرئي، لكن المرء لم يكن يؤمن فقط أنَّ إلهًا كهذا موجود لكنه لم يكن يؤمن أيضًا بأنه قادر على اجتراح أنواع الآيات والعجائب الخارقة كافة وكشف الغوامض بجميع أشكالها، مثل بشاعة الممسوسين من الأرواح الشريرة. هذا وحده يكفي لإثبات أن الله الكائن في أذهان البشر ليس صورة الله لكنه صورة لكائنٍ آخر غير الله. يقول الله إنه يريد أن يحتل مكانًا يشغل 0.1 في المائة من قلب الإنسان، وهذا أعلى مستوى يطلبه من البشرية. هذه العبارة لا تنطوي فقط على جانب ظاهري، لكن ثمة جانب واقعي أيضًا. لو لم يكن قد شُرِحَ بهذه الطريقة، لاعتبرت الناس طلبات الله منهم متدنية جدًا، وكأن الله لا يفهم عنهم إلا القليل. أليست هذه نفسية البشر؟

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق