الاثنين، 1 أكتوبر 2018

جوهر المسيح هو الطاعة لمشيئة الآب السماوي


جوهر المسيح هو الطاعة لمشيئة الآب السماوي

يُسمَّى الله المُتجسِّد بالمسيح، والمسيح هو الجسد الذي ارتداه روح الله. هذا الجسد لا يُشبه أي إنسان من جسدٍ. هذا الاختلاف هو بسبب أن المسيح ليس من لحمٍ ودمٍ، بل هو تَجسُّد الروح. له طبيعة إنسانية عادية ولاهوت كامل. لا يمتلك لاهوته أي إنسان، فيبقى محتفظًا بطبيعته البشرية ليمارس كل نشاطاته العادية في الجسد، في الوقت الذي تضطلع فيه ألوهيته بعمل الله نفسه. وسواء أكانت إنسانيته أم ألوهيته، فكلاهما يخضعان لإرادة الآب السماوي. إن جوهر المسيح هو الروح، أي اللاهوت. لذلك، فإن جوهره من جوهر الله نفسه، ولن يعطِّل هذا الجوهر عمله، ولا يمكنه أن يفعل ما يدمر عمله، كما أنه لن ينطق بأي كلمة تتعارض مع مشيئته الخاصة. لهذا، لن يفعل الله المُتجسِّد أبدًا أي عمل يعارض تدبيره. هذا ما يجب أن يفهمه كل إنسان. إن جوهر عمل الروح القدس هو خلاص الإنسان، وهذا لأجل تنفيذ تدبير الله. وبالمثل، فإن عمل المسيح هو خلاص الإنسان، وهذا لأجل إنفاذ مشيئة الله. عندما يصير الله جسدًا، فإنه يُحقِّق‏ جوهره في جسده، حتى يكون جسده كافيًا للاضطلاع بعمله. لذلك، فإن عمل المسيح أثناء زمن التجسد يحل محل كل عمل لروح الله، ويوجد عمل المسيح في قلب كل عمل طوال زمن التجسد، ولا يمكن خلطه بعمل من أي عصر آخر. وبما أن الله صار جسدًا، فقد عمل في هيئته الجسدية؛ ولأنه يحل في الجسد، فإنه يكمل في الجسد العمل الذي عليه القيام به. وسواء أكان روح الله أم المسيح، فكلاهما الله نفسه، وهو يقوم بالعمل الذي يجب أن يقوم به ويؤدي الخدمة التي يجب أن يؤديها.

إن جوهر الله نفسه يتمتع بالسلطان، لكنه قادر على الخضوع الكامل للسلطان المستمد منه. فسواء أكان ذلك عمل الروح أم عمل الجسد، فلا يتصارع أحدهما مع الآخر. روح الله هو السلطان السائد على كل الخليقة. إن الجسد مع جوهر الله يمتلك أيضًا سلطانًا، لكن الله الذي يحل في الجسد قادر على القيام بكل العمل الذي يُطيع مشيئة الآب السماوي. لا يمكن لأي إنسان أن يدرك هذا أو يتصوره. الله نفسه سلطان، لكن يمكن لجسده أن يخضع لسلطانه. هذا هو المعنى الباطن لقولنا: "المسيح يُطيع مشيئة الله الآب". إن الله روح ويمكنه أن يقوم بعمل الخلاص، حيث يمكن أن يصير الله إنسانًا. على أي حال، الله نفسه يقوم بعمله الخاص، وهو لا يعارض ولا يتدخل، ناهيك عن القيام بأعمال متضاربة مع بعضها بعضًا، لأن جوهر العمل الذي يقوم به الروح والجسد متشابهان. سواء أكان الروح أم الجسد، فكلاهما يعمل على إنفاذ مشيئة واحدة وتدبير العمل نفسه، وعلى الرغم من أن الروح والجسد لهما صفات متباينة، إلا أن جوهرهما واحد. كلاهما يتمتع بجوهر الله نفسه، وهوية الله نفسه. ليس لدى الله نفسه أوجه تمرد؛ لأن جوهره خيِّر. إنه التعبير عن كل الجمال والخير، وكذلك كل الحب. حتى في الجسد، لا يقوم الله بأي شيء يعصي الله الآب. حتى إلى حد التضحية بحياته، سيكون مستعدًا تمامًا ولن يقدم على خيار آخر. ليس لدى الله أوجه بر ذاتي وأنانية، أو غرور وغطرسة؛ فكل عصيان لله يأتي من الشيطان؛ فالشيطان هو مصدر كل قُبحٍ وشرٍ. السبب في أن الإنسان يتسم بصفات مماثلة لتلك التي يتسم بها الشيطان هو أن الشيطان قد أفسد الإنسان وخدعه، لكن الشيطان لم يُفسد المسيح، ومن ثمَّ فهو لا يمتلك سوى سمات الله، ولا يمتلك أيًا من تلك التي يتسم بها الشيطان. وبغض النظر عن مدى صعوبة العمل أو ضعف الجسد، فلن يفعل الله، وهو يحيا في الجسد، أي شيء يعطِّل عمل الله نفسه، ولاسيما التخلي عن إرادة الله الآب بالعصيان. فهو يُفضّل بالأحرى أن يعاني آلام الجسد عن أن يعارض مشيئة الله الآب. مثلما قال يسوع في الصلاة: "يَا أَبَتَاهُ، إِنْ شِئْتَ أَنْ تُجِيزَ عَنِّي هَذِهِ ٱلْكَأْسَ. وَلَكِنْ لِتَكُنْ لَا إِرَادَتِي بَلْ إِرَادَتُكَ". سيظل الإنسان مخيَّرًا في هذا، أما المسيح فلن يكون كذلك. على الرغم من أنه يمتلك هوية الله نفسه، فإنه لا يزال يطلب مشيئة الله الآب، ويتمم ما يأتمنه الله الآب عليه، من ناحية الجسد. هذا شيء لا يدركه الإنسان. ذاك الذي يأتي من الشيطان لا يمكن أن يكون له جوهر الله، فقط لديه ما يعصي الله ويقاومه. ولا يمكنه أن يطيع الله بالكامل، ناهيك عن طاعة إرادة الله عن طيب خاطر. كل ما يمكن للإنسان عمله بعيدًا عن المسيح هو أن يقاوم الله، ولا يمكن لأحد أن يتحمل مباشرةً العمل الذي يوكله إليه الله. لا يقدر أحد على اعتبار تدبير الله واجبه الخاص الذي عليه تنفيذه. إن الخضوع لمشيئة الله الآب هو جوهر المسيح؛ وعصيان الله هو سمة الشيطان. هاتان الصفتان غير متوافقتين، وأي شخص يمتلك صفات الشيطان لا يمكن أن يُسمى بالمسيح. السبب في أن الإنسان لا يستطيع القيام بعمل الله بدلاً عنه هو أن الإنسان لا يملك أيًا من جوهر الله؛ فالإنسان يعمل من أجل الله طمعًا في قضاء مصالح الإنسان الشخصية وإشباعًا لتطلعاته المستقبلية، لكن المسيح يعمل لتنفيذ مشيئة الله الآب.

إن بشرية المسيح خاضعة للاهوته. ورغم أنه يحل في الجسد، إلا أن بشريته لا تشبه تمامًا بشرية الإنسان في الجسد. فلديه شخصيته الفريدة، وهي أيضًا خاضعة للاهوته، ولا يعرف لاهوته الضعف؛ أما ضعف المسيح فيرجع إلى ضعف طبيعته البشرية، ويقيِّد هذا الضعف لاهوته إلى حد ما، ولكن هذه الحدود تقع في نطاق معين ووقت معين، وليست مطلقة. عندما يحين الوقت لتنفيذ عمل لاهوته، فإن ذلك يتم دون عائق من بشريته. إن بشرية المسيح تخضع بالكامل لتوجيه لاهوته. وبعيدًا عن الحياة الطبيعية لبشريته، تتأثر جميع الأفعال الأخرى ذات الطبيعة البشرية بلاهوته، وتُوجه بها. على الرغم من أن للمسيح طبيعة بشرية، إلا أنها لا تعطِّل عمل لاهوته. هذا بالتحديد لأن بشرية المسيح مُوجهة من لاهوته؛ وعلى الرغم من أن بشريته ليست ناضجة في سلوكه أمام الآخرين، إلا أنها لا تؤثر في العمل الطبيعي للاهوته. عندما أقول إن بشريته لم تَفْسد، أعني أن بشرية المسيح يمكن أن تكون موجهة مباشرةً من لاهوته، وأنه يمتلك عقلاً أرقى من عقل الإنسان العادي. من الأكثر ملاءمة أن تكون بشريته خاضعة للتوجيه من اللاهوت في عمله. إن بشريته أقدر على التعبير عن عمل اللاهوت، وكذلك أقدر على الخضوع لمثل هذا العمل. وبينما يعمل الله في الجسد، فإنه لا يغفل أبدًا الواجب الذي يتعين على إنسان في الجسد أن يقوم به؛ إنه قادر على عبادة الله في السماء بقلبٍ صادق. لديه جوهر الله، وهويته من هوية الله نفسه كل ما في الأمر أنه قد أتى إلى الأرض وأصبح كائنًا مخلوقًا، له الهيئة الخارجية لكائن مخلوق، ولديه الآن طبيعة بشرية لم تكن لديه من قبل؛ وبهذا فهو قادر على عبادة الله في السماء. هذا هو وجود الله نفسه الذي لا يمكن تشبيهه بإنسان، وهويته هي هوية الله نفسه. إنه يعبد الله من منظور الجسد. لذلك، فإن قولنا: "المسيح يعبد الله في السماء" ليست عن طريق الخطأ. ما يطلبه من الإنسان هو بالتحديد وجوده. لقد حقق بالفعل كل ما يطلبه من الإنسان قبل أن يطالبه به؛ فلن يطلب من الآخرين ما يتنصل هو نفسه منه، لأن كل هذا يشكِّل وجوده. وبغض النظر عن الطريقة التي ينفذ بها عمله، فإنه لن يتصرف بطريقة تخالف الله. بغض النظر عمَّا يطلبه من الإنسان، فلا يوجد طلب يتجاوز ما يمكن أن يحققه الإنسان. كل ما يفعله هو تنفيذ إرادة الله ولأجل تدبيره. إن لاهوت المسيح يعلو جميع البشر، لذا فهو أعلى سلطانًا من جميع الكائنات المخلوقة. هذا السلطان هو لاهوته، أي سمات الله نفسه ووجوده، والذي يحدد هويته. لذلك، بغض النظر عن طبيعته البشرية، فلا يمكن إنكار أن له هوية الله نفسه. وبغض النظر عن وجهة النظر التي يتكلم بها والكيفية التي يطيع بها مشيئة الله، فلا يمكن القول أنه ليس الله نفسه. غالبًا ما ينظر الرجال الحمقى والجاهلون إلى طبيعة المسيح البشرية العادية على أنها نقيصة. وبغض النظر عن الكيفية التي يعبر بها عن وجود لاهوته، فلا يستطيع الإنسان أن يسلم بأنه هو المسيح. وكلما أظهر المسيح طاعته وتواضعه، ازداد البشر غباءً في نظرتهم للمسيح. حتى أن هناك مَنْ يتبنون تجاهه موقفًا من الاستبعاد والازدراء، ويضعون أولئك "الرجال العظماء" أصحاب الصور النبيلة على الطاولة لكي يُعبدوا. تأتي مقاومة الإنسان لله وعصيانه إياه من حقيقة أن جوهر الله المُتجسِّد يخضع لإرادة الله، وكذلك من حقيقة بشرية المسيح الطبيعية؛ وهنا يكمن مصدر مقاومة الإنسان لله وعصيانه إياه. إذا لم يحتجب المسيح خلف بشريته ولم يطلب إرادة الله الآب من منظور أنه كائن مخلوق، بل بالأحرى امتلك بدلاً من ذلك طبيعة بشرية خارقة، فلن يكون هناك على الأرجح أي عصيان من أي إنسان. إن السبب الذي يجعل الإنسان دائمًا على استعداد للإيمان بإله غير مرئي في السماء هو أن الله في السماء ليس له طبيعة بشرية وليست له صفة واحدة من صفات الكائنات المخلوقة. لذلك ينظر إليه الإنسان دائمًا بأعظم تقدير، لكنه يتبنى موقفًا ازدرائيًا تجاه المسيح.

على الرغم من أن المسيح على الأرض قادر على العمل نيابة عن الله نفسه، إلا أنه لا يأتي بنية أن يُظهر لكل شخص صورته في الجسد. لا يأتي بهدف أن يراه جميع البشر، بل جاء ليسمح للإنسان أن يُقاد بيده، وبذلك يدخل في العصر الجديد. إن وظيفة جسد المسيح هي القيام بعمل الله نفسه، أي من أجل عمل الله في الجسد، وليس لتمكين الإنسان من الفهم الكامل لجوهر جسده. بغض النظر عن كيفية عمله، فإنه لا يتجاوز ما يمكن للجسد تحقيقه. بغض النظر عن كيفية عمله، فهو يفعل ذلك في الجسد ببشرية طبيعية، ولا يعلن للإنسان إعلانًا كاملاً عن ملامح الله. بالإضافة إلى ذلك، فإن عمله في الجسد ليس خارقًا للطبيعة أبدًا أو لا يمكن تقديره كما يتصور الإنسان. على الرغم من أن المسيح يمثل الله نفسه في الجسد وينفذ بنفسه العمل الذي يجب على الله أن يفعله بنفسه، إلا أنه لا ينكر وجود الله في السماء، ولا يسعى سعيًا حثيثًا لنشر أفعاله الشخصية. بل بالأحرى فإنه لا يزال محتجبًا داخل جسده. وبعيدًا عن المسيح، لا يملك أولئك الذين يزعمون كذبًا أنهم المسيح صفاته. وبمقارنته مع التصرف المتعجرف والمتكبر لأولئك المسحاء الكذبة، يصبح من الواضح أي طريقة جسد كان عليها المسيح حقًا. وكلما ازداد هؤلاء المسحاء الكذبة كذبًا، تفاخروا بأنفسهم أكثر، وأصبحوا أكثر قدرة على عمل الآيات والعجائب لخداع الإنسان. ليس لدى المسحاء الكذبة صفات الله، ولا يشوب المسيح أي شائبة تشوب المسحاء الكذبة. يصير الله جسدًا ليكمل عمل الجسد فحسب، وليس لمجرد السماح لجميع البشر أن يرونه. بدلا من ذلك، فهو يدع عمله يؤكد هويته، ويسمح لما يعلنه أن يشهد ب لجوهره. فجوهره ليس بلا أساس؛ ولم تحجِّم يده من هويته، بل يحددها عمله وجوهره. على الرغم من أن له جوهر الله نفسه وقادر على القيام بعمل الله نفسه، إلا أنه لا يزال، في النهاية، جسدًا مختلفًا عن الروح. إنه ليس الله بصفات الروح؛ بل هو الله في هيئة الجسد. لذلك، بغض النظر عن طبيعيته وضعفه، وكيفيه طلبه لإرادة الله الآب، فلا يمكن إنكار لاهوته. فلا يوجد في الله المُتجسِّد طبيعة بشرية عادية بما فيها من ضعف فقط، بل يوجد أيضًا روعة اللاهوت وعمقه، وكذلك جميع أعماله في الجسد. لذلك، تجتمع في المسيح فعليًا وعمليًا كلتا الطبيعتين البشرية والإلهية. ليس هذا بالأمر الفارغ أو الخارق. إنما يأتي إلى الأرض بهدف أساسي يتمثل في القيام بالعمل، ولا بد من أن يمتلك الطبيعة البشرية العادية لتنفيذ العمل على الأرض؛ وإلا فمهما كانت عظمة قوة لاهوته، فلن يستطيع أن يحقِّق المهمة الأصلية منه بشكل جيد. على الرغم من أن بشريته على درجة كبيرة من الأهمية، إلا أنها ليست جوهره. فجوهره هو اللاهوت؛ لذلك، فاللحظة التي يبدأ فيها مباشرة خدمته على الأرض هي اللحظة التي يبدأ فيها التعبير عن لاهوته. إن بشريته للحفاظ فقط على الحياة الطبيعية لجسده حتى يتسنى للاهوته القيام بالعمل في الجسد بطريقة طبيعية. إن اللاهوت هو الذي يوجِّه عمله بأكمله. وعندما يكمل عمله، فسيكون قد أنجز خدمته. ما يجب أن يعرفه الإنسان هو مجمل عمله، ومن خلال عمله يُمكّن الإنسان من معرفته. طوال مدة عمله، يعبر تعبيرًا تامًا عن لاهوته، وليس هو سمةً مشوبةً بطبيعته البشرية، أو وجودًا متأثرًا بالفكر والسلوك البشري. عندما يحين الوقت الذي تنتهي فيه كل خدمته، فسيكون قد عبّر تمامًا وبشكل كامل عن السمات التي كان يجب عليه التعبير عنها. وعمله لا يخضع لأي توجيه من أي إنسان؛ كما أن التعبير عن سماته هو أيضًا حرٌ تمامًا، ولا يسيطر عليه العقل أو يحركه التفكير، ولكن يتم الإعلان عنه بشكل طبيعي. لا يمكن لأي إنسان أن يحقِّق هذا. حتى إذا كانت الظروف المحيطة قاسية أو لا تسمح الظروف بذلك، فهو قادر على التعبير عن سماته في الوقت المناسب. المسيح وحده هو مَنْ يعبر عن وجود المسيح، في حين أن أولئك الذين ليسوا كذلك فليس لديهم سمات المسيح. لذلك، فحتى لو قاومه الجميع أو كانت لديهم تصورات عنه، لا يمكن لأحد أن ينكر على أساس مفاهيم البشر أن السمات التي عبَّر عنها المسيح هي تلك التي لله. كل أولئك الذين ينشدون المسيح بقلبٍ صادق أو يسعون إلى الله عن قصدٍ سيعترفون أنه المسيح بناءً على التعبير عن لاهوته. لن ينكروا المسيح أبدًا على أساس أي جانب من جوانبه لا يتوافق مع مفاهيم البشر. على الرغم من أن البشر حمقى للغاية، إلا أن جميعهم يعرفون بالضبط ما ينبع من إرادة الإنسان وما يأتي من الله. كل ما في الأمر أن العديد من الناس يقاومون المسيح عن قصد بسبب نواياهم الخاصة. إن لم يكن لهذا السبب، فلن يكون لدى أي إنسان سبب لإنكار وجود المسيح، لأن اللاهوت الذي عبَّر عنه المسيح موجود بالفعل، ويمكن لأعين الجميع المجردة أن تشهد على عمله.

يحدد عمل المسيح وتعبيره جوهره. إنه قادر على أن يكمل بقلبٍ صادق ما أُوكل إليه، وهو قادر على عبادة الله في السماء بقلبٍ صادق، وطلب إرادة الله الآب بقلبٍ صادق. يحدد كل هذا جوهره. وكذلك يحدد إعلانه الطبيعي جوهره؛ والسبب في أن إعلانه الطبيعي يُسمى هكذا هو أن تعبيره ليس تقليدًا، أو نتيجة لتعليم إنسان، أو نتيجة لسنوات عديدة من التربية بواسطة الإنسان. فهو لم يتعلمه أو يزيِّن نفسه به، بل إنه بالأحرى متأصل في داخله. قد ينكر الإنسان عمله وتعبيره وبشريته والحياة الكاملة لطبيعته البشرية، لكن لا أحد يستطيع أن ينكر أنه يعبد الله في السماء بقلبٍ حقيقي. لا أحد يستطيع أن ينكر أنه قد جاء ليكمل مشيئة الآب السماوي، ولا يمكن لأحد أن ينكر صدقه في طلب الله الآب. ورغم أن صورته لا تُرضي الحواس، ولا يملأ حديثه أجواءً غير عادية، ولا يهز عمله الأرض أو السماء كما يتخيل الإنسان، إلا إنه بالفعل المسيح الذي يحقِّق مشيئة الآب السماوي بقلبٍ صادق، ويخضع بالكامل للآب السماوي، ويطيع حتى الموت. هذا لأن جوهره هو جوهر المسيح. يصعب على الإنسان تصديق هذه الحقيقة، ولكنها قائمة بالفعل. عندما تكتمل خدمة المسيح بالكامل، سيكون الإنسان قادرًا على أن يرى من عمله أن سماته ووجوده تمثل سمات الله ووجوده في السماء. في ذلك الوقت، يمكن أن يبرهن مجمل عمله على أنه هو بالفعل الكلمة الذي صار جسدًا، وليس مثل الإنسان الذي يتكون من لحم ودم. إن لكل خطوة من خطوات عمل المسيح على الأرض دلالتها التمثيلية، لكن الإنسان الذي يختبر العمل الفعلي لكل خطوة غير قادر على فهم دلالة عمله. وهذا ينطبق بشكلٍ خاصٍ على الخطوات المتعددة للعمل الذي قام به الله المُتجسِّد الثاني. معظم أولئك الذين سمعوا أو رأوا كلمات المسيح فقط ولم يروه أبدًا ليس لديهم تصور عن عمله، وأولئك الذين رأوا المسيح وسمعوا كلماته، وكذلك اختبروا عمله، وأولئك يجدون صعوبة في قبول عمله. أليس هذا لأن مظهر المسيح وطبيعته البشرية العادية لا يروقان للإنسان؟ أولئك الذين يقبلون عمله بعد موت المسيح لن يواجهوا مثل هذه الصعوبات، لأنهم يقبلون فقط عمله ولا يتعرضون لطبيعة المسيح البشرية العادية. إن الإنسان غير قادر على التخلي عن مفاهيمه عن الله، بل يدقق فيه بشكل مكثف؛ وهذا يرجع إلى حقيقة أن الإنسان يركز فقط على ظهوره وغير قادر على التعرف على جوهره من خلال عمله وكلماته. عندما يغض الإنسان طرفه عن ظهور المسيح أو يتفادى مناقشة بشرية المسيح، ويتحدث فقط عن لاهوته، الذي لا يمكن لأي شخص الوصول إلى عمله أو كلماته، فإن مفاهيم الإنسان ستنخفض إلى النصف، حتى تصل إلى الحد الذي يتغلب فيها الإنسان على جميع الصعوبات. خلال عمل الله المُتجسِّد، لا يمكن للإنسان أن يتحمله ويمتلئ بمفاهيم عديدة عنه، وتشيع حالات المقاومة والعصيان. لا يمكن للإنسان أن يتحمل وجود الله، أو يتساهل مع تواضع المسيح واحتجابه، أو يتغاضى عن جوهر المسيح الذي يطيع الآب السماوي. لذلك، لا يمكنه البقاء مع الإنسان إلى الأبد بعد أن يُنهي عمله، لأن الإنسان غير مستعد للسماح له بالعيش إلى جانبه. إذا لم يستطع البشر التساهل معه خلال فترة عمله، فكيف يمكنهم أن يحتملوه بينهم بعد أن يكون قد أكمل خدمته، ويرقبهم وهم يختبرون كلماته تدريجيًا؟ ألن يسقط الكثيرون حينها بسببه؟ يسمح الإنسان له فقط بالعمل على الأرض، وهذا هو أقصى مدى لتساهل الإنسان. إن لم يكن من أجل عمله، فإن الإنسان كان سينبذه من الأرض منذ زمن بعيد، فكيف سيكون المقدار الضئيل من التساهل الذي كان سيبديه الإنسان نحوه عندما يكتمل عمله؟ ألن يسلمه الإنسان حينها إلى الموت ويعذبه حتى الموت؟ إن لم يُدعى المسيح، فعندئذٍ لم يكن بإمكانه العمل بين البشر؛ وإذا لم يعمل بهوية الله نفسه، وعمل بدلاً من ذلك كإنسان عادي، فلم يكن ليتحمل الإنسان حينها جملة واحدة كان سينطق بها، ناهيك عن تحمله أقل قدر من عمله. لذا يمكنه فقط حمل هذه الهوية معه في عمله. وبهذه الطريقة، يكون عمله أكثر قوة مما لو لم يفعل ذلك، لأن البشر جميعهم على استعداد لأن يطيعوا الهوية الثابتة والعظيمة. إذا لم يحمل هوية الله نفسه أثناء عمله أو ظهر على أنه الله نفسه، فلن يكون لديه الفرصة للقيام بأي عمل على الإطلاق. على الرغم من حقيقة أن له جوهر الله وكينونة المسيح، فلم يكن ليهدأ الإنسان ويسمح له بالقيام بالعمل بسهولة بين البشر. إنه يحمل هوية الله نفسه في عمله؛ وعلى الرغم من أن هذا العمل أقوى بعشرات المرات من ذلك الذي يتم بدون مثل هذه الهوية، إلا أن الإنسان لا يزال غير مطيع تمامًا له، لأن الإنسان لا يخضع سوى لمكانته وليس لجوهره. إذا كان الأمر كذلك، عندما يتنحى المسيح عن منصبه في يوم من الأيام، فهل يمكن أن يسمح له الإنسان بالبقاء حيًا ليوم واحد؟ الله مستعد للعيش على الأرض مع الإنسان حتى يرى التأثيرات التي سيحققها عمل يده في السنوات التالية. ومع ذلك، فالإنسان غير قادر على تحمل إقامته ليوم واحد، لذا فيمكنه فقط أن يتخلى عن هذا. إنه بالفعل أكبر قدر من التساهل الذي يسمح به الإنسان ويوافق عليه أن يسمح لله أن يعمل بين البشر العمل الذي يجب أن يقوم به وأن يكمل خدمته. ورغم أن أولئك الذين أخضعهم أظهروا له هذا القدر من السماح، إلا أنهم لا يزالون يسمحون له بالبقاء فقط حتى ينتهي عمله، وليس للحظة واحدة بعد ذلك. إن كان الأمر كذلك، فماذا عن أولئك الذين لم يخضعهم؟ أليس السبب وراء أن يعامل الإنسانُ اللهَ المُتجسِّد بهذه الطريقة هو أنه هو المسيح في هيئة إنسان عادي؟ إذا لم يكن لديه سوى اللاهوت، وليس طبيعة إنسانية عادية، أما كان ممكنًا التغلب على الصعوبات التي تواجه الإنسان بأكبر قدر من السهولة؟ يعترف الإنسان بلاهوته على مضض، ولا يظهر اهتمامًا بهيئته كإنسان عادي، على الرغم من حقيقة أن جوهره هو بالضبط جوهر المسيح الذي يخضع لإرادة الآب السماوي. على هذا النحو، كان بإمكانه فحسب إلغاء عمله في أن يكون بين البشر ليشاركهم الأحزان والأفراح، لأن الإنسان لم يعد يتحمل وجوده.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق